بالأرقام: هكذا سيستفيد لبنان من خطّة ترامب للجنوب -- Aug 27 , 2025 20
عينُ الرئيس الأميركي دونالد ترامب على جنوب لبنان، ليس من باب الأمن أو السياسة بشكلٍ مباشر وإنما من بوابة الاقتصاد، في وقتٍ يتصاعد فيه الحديث في الإعلام الغربي حول ما يُعرف بـ"المنطقة الاقتصادية لترامب"، وهي مبادرة تطرحها واشنطن تقوم على استبدال منطق الصراع العسكري بمنطق الاستثمارات والتنمية، وتحويل جنوب لبنان إلى منطقة اقتصادية تستقطب ملايين الدولارات وعشرات وربما مئات المشاريع التنموية. فكيف سيستفيد لبنان اقتصاديّاً من هذا الطرح لو كان جدّياً وليس مجرّد فكرة مُغرية؟
يعتبرُ الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة أنّ "المكاسب الاقتصادية للبنان من هذه المبادرة لو تحقّقت هائلة، فلبنان يعيش منذ العام 2019 تدهوراً نقدياً ومالياً ومصرفياً واقتصادياً، وتهاوى فيه نظام البنية التحتية العامة وإنتشار الفقر، في وقتٍ يتحمل الجنوب المهمّش أصلًا في السياسات العامة تداعيات الصراعات المتكررة على أرضه"، شارحاً في مقابلة مع موقع mtv أنه "يمكن استخدام الإستثمارات الأجنبية والعربية بالدرجة الأولى لإعادة بناء الطرق وشبكات الطاقة، وتوفير فرص العمل في الزراعة والسياحة والصناعات في الجنوب وهو ما سيُشكّل رافعة للناتج المحلّي الإجمالي اللبناني بحيث يُصبح النشاط الإقتصادي الجنوبي المُحرّك الأساسي للنمو الإقتصادي اللبناني".
لن تكون خطة ترامب الاقتصادية للجنوب مجرد دعم مالي للبنان، بل هي مشروع تحويل الجنوب من منطقة نزاع إلى منطقة استثمارية، وترتكز على مبدأ تقديم دعم تنموي مقابل تغيير أمني. أما الدعم الموعود فهو مشروط بتقدم خطة نزع سلاح "حزب الله"، بمعنى أنّ التنمية الاقتصادية ستكون مقابل تقليص نفوذ "حزب الله" العسكري بهدف إضعاف ارتباط الجنوب بمحور المقاومة، واستبدال النفوذ العسكري بنفوذ اقتصادي–استثماري مدعوم بشكلٍ خاص من الخليج، إلا أنّ الخطة، لو صحّت، تصطدم بشكلٍ أساسي باحتمال رفض "حزب الله" لها باعتبارها "محاولة شراء" للجنوب عبر إغراءات اقتصادية.
ولكن في حال قبول لبنان بالخطّة، كيف ستنعكس هذه المكاسب على الناتج المحلي الإجمالي في لبنان؟ يُجيب عجاقة في معرض كشفه عن محاكاة أنجزها في هذا الإطار: تحديد تداعيات هذا الطرح على الناتج المحلي الإجمالي مُعقد بحكم أن هذه التداعيات ليست خطّية (Linear) وبالتالي يجب تحليل ديناميكية التفاعلات بين عوامل مثل: التأثير المضاعف أي عدد المرات التي يُنفق فيها دولار جديد من الإستثمارات في الإقتصاد لتوليد المزيد من الدخل وفرص العمل؛ تأثير الاستثمار الأجنبي على الإستثمار المحلي، سواءً كان مشجعًا أو مُزاحمًا له؛ الآثار غير المباشرة مثل نقل المعرفة الإدارية والتكنولوجيا إلى الشركات المحلية من قِبل المستثمرين الأجانب؛ الإستقرار السياسي والأمني الذي يرهن نجاح المشروع بالإعتبارات الأمنية، وهذا ليس عاملًا اقتصاديًا يسهل قياسه كمياً. مُضيفاً "عدم توافر المعلومات حول الطروحات المالية وحجم الإستثمارات، بالإضافة إلى صعوبة التنبؤ بالعامل السياسي المُتمثّل بالإستقرار السياسي والأمني، يدفعنا إلى استخدام "نموذج المضاعف الكينزي المبسط"، وهو نموذج اقتصادي يوضح كيف تؤدي الزيادة في الإنفاق التلقائي (مثل الاستثمار أو الإنفاق الحكومي) إلى زيادة مضاعفة في الدخل الكلي، وذلك بهدف إظهار تأثير الإستثمار الأولي على الناتج المحلي الإجمالي".
ويلفت عجاقة الى أنه "تتمثل النتيجة الأساسية للمحاكاة (في الرسم البياني المرفق) في أن تأثير المشروع لا يقتصر على المبلغ الأولي المستثمر، بل يعتمد بشكل أساسي على المضاعف الإقتصادي الذي يقيس مدى توسع الإقتصاد الكلي نتيجة الإستثمار الأولي. ويستند هذا التوسع إلى مفهوم يُسمى "الميل الحدي للإستهلاك" والذي يمثل مقدار الدخل الجديد الذي يُنفق بدلا من إدخاره أو إنفاقه على السلع المستوردة"، مشدّداً على أنّ "نتائج المحاكاة تسلّط الضوء على ثلاث نقاط رئيسية: أولاً ارتباط مباشر بين حجم الإستثمار وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، ثانياً، المتغير الأهم في النموذج هو الميل الحدي للاستهلاك. ثالثاً وهو الأهمّ، لكي يكون لهذا المشروع تأثير كبير ودائم، يجب تجاوز فكرة مُجرد ضخ رأس المال، إذ هناك ضرورة لمُعالجة العوامل الأساسية التي من شأنها أن تُسبب إنخفاض الميل الحدي للاستهلاك كإنعدام الثقة، والإعتماد على الإستيراد الذي يؤدي إلى تسرّب الأموال الجديدة من الماكينة الإقتصادية".
طرحٌ فيه الكثير من الإغراءات للبنان بشكلٍ عامّ ولأهالي الجنوب بشكلٍ خاصّ، وهو قد يكون بالنسبة للبعض بمثابة ورقة يانصيب تنتشل لبنان من تداعيات أسوأ أزمة اقتصادية عرفها في تاريخه وتُبعد عنه شبح الحروب الى أجل طويل، وفي نظر البعض الآخر، محاولة لضرب أسس المقاومة الى الأبد، ليبقى السّؤال الجوهري: ما هو الثمن الحقيقي الذي سيدفعه لبنان مقابل قبول... أو رفض الخطّة؟